الأربعاء، 18 فبراير 2015

قصة قارون عبرة لكل مختال فخور


كان قارون من بني إسرائيل وهو ابن عم سيدنا موسى عليه السلام، وقد رزقه الله تعالى سعة في الرزق، وكثرة في الأموال حتى فاضت بها خزائنه، واكتظت صناديقه بما حوته منها، فلم يعد يستطيع حمل مفاتيها مجموعة من الرجال الأقوياء، وكان يعيش بين قومه عيشة الترف، فكان يلبس الملابس الفاخرة ولا يخرج إلا في زينته، ويسكن القصور، ويختار لنفسه الخدم والعبيد، ويستمتع بملذات الدنيا الفانية
قال الله تعالىإن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين
قارون لم يكن عبدا شكورا، فبدلا من أن يطيع الله، أخذ يغتر بنفسه ويتكبر على قومه ويفتخر بكثرة ما ءاتاه الله تعالى من الأموال والكنوز، فنصحه النصحاء من قومه ووعظوه ونهوه عن فساده وبغيه ولكنه أجابهم جواب مغتر مفتون مستكبر مدعيا أنه لا يحتاج إلى نصائحهم لأنه اكتسب ماله بعلمه وفضله معتقدا على زعمه أن الله يحبه ولذلك أعطاه المال الكثير. ويروى أنه عندما أنزلت فرضية الزكاة على سيدنا موسى عليه السلام أخبر قومه بما يجب عليهم وقال لقارون مذكرا إياه بتقوى الله وحقه عليه أن على كل ألف دينار دينارا، وعلى كل ألف درهم درهمـا، فحسب قارون ما يترتب عليه من الزكاة فاستكثره، فشحت نفسه فكفر بما جاء به موسى عليه السلام. ثم جمع قارون بعض من يثق بهم من أتباعه وقال لهم: إن موسى أمركم بكل شيء فأطعتـموه، وهو الآن يريد أخذ أموالكم، فقالوا له: مرنا بما شئت. قال: ءامركم أن تحضروا "سبرتا" العاصية فتجعلوا لها أجرة على أن تزعم أن موسى أراد الزنى بها، والعياذ بالله تعالى، ففعلوا ذلك وأرسلوا لها طستا من ذهب مملوءا قطعا ذهبية
يروى   أن قارون لعنه الله جاء إلى سيدنا موسى عليه السلام متظاهرا بالود فقال له إن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بـ"سبرتا"، فقال عليه السلام: ادعوها، فلما جاءت استحلفها موسى عليه السلام بالله الذي فلق البحر وأنزل التوراة أن تصدق، فتداركها الله تعالى برحمته فتابت وتبرأت مما نسبوا إلى موسى وقالت: كذبوا، بل جعل لي قارون أجرة على أن أتهمك بالزنى، فسجد موسى عليه السلام ودعا الله على من ظلمه فأوحى الله تعالى إليه: مر الأرض بما شئت فإنها مطيعةٌ لك. وفي اليوم التالي خرج قارون كعادته في موكب كبير يضم ءالاف الخدم والحشم وقد تزينت ثيابهم بالذهب والجواهر وركبوا على بغالهم وأفراسهم وهو يتقدمهم على بغلة شبهاء زينها وقد ارتدى أجمل ثيابه وأفخرها مزهوا بنفسه متطاولا، والناس على الجانبين ينظرون إليه بدهشة، ومنهم من اغتر به فقال: هنيئا لقارون إنه ذو حظ عظيم، مال وجاه.
فلما سمعهم بعض الصالحين من قومهم نصحوهم أن لا يغتروا بزهرة الدنيا فإنها غرارة. وقيل إن قارون مرّ في مسيره على مجلس لسيدنا موسى عليه السلام فأوقف الموكب وخاطبه قائلا: يا موسى أما لئن كنت فضلت علي بالنبوة، فلقد فضلت عليك بالمال، ولئن شئت فاخرج فادع علي وأدعو عليك، فخرج سيدنا موسى عليه السلام ثابت القلب متوكلا على ربه سبحانه وتعالى، وبدأ قارون بالدعاء فلم يتستجب له، ودعا سيدنا موسى وقال: اللهم مر الأرض فلتطعني اليوم، فاستجاب الله له، فقال موسى، يا أرض خذيهم، فأخذت الأرض قارون الملعون ومن معه من أتباعه الخبثاء إلى أقدامهم 
قال الله تعالى : فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين [ ص: 205 ] لما ذكر تعالى خروجه في زينته ، واختياله فيها ، وفخره على قومه بها ، قال : فخسفنا به وبداره الأرض . 

كما روى البخاري من حديث الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : بينا رجل يجر إزاره ، إذ خسف به ، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة . ثم رواه البخاري من حديث جرير بن زيد ، عن سالم ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة