الاثنين، 21 يوليو 2014

هل تعرف من هو أبو العمليات الجراحية


وقد ولد أبو القاسم الزهراوي في مدينة الزهراء الأندلسية[1]، ونُسب إليها، ويفترض بعض الباحثين أنه ولد سنة (325 هـ/ 936م)، أما وفاته فقيل إنها سنة (404هـ/ 1013م)، وقيل سنة (427هـ/ 1036م)[2].

و يكون الزهراوي عايش و ساهم في تطور الحضارة الإسلامية من خلال ماقدمه من كتب و إختراعات




ومن خلال النزر اليسير المتناثر هنا وهناك في المراجع القديمة، يتبين لنا أن أبا القاسم الزهراوي قد التحق بالعمل في مستشفى قرطبة الذي أنشأه الخليفة عبد الرحمن الناصر، حيث كان يُعمِل النظر في الطرق والوسائل المستخدمة في علاج المرضى، ومع المطالعة وتلك المتابعة الجادة تكونت شخصيته العلمية، وترسخت قناعاته في المضمار الطبي حتى أصبح ذا خبرة عظيمة بالأدوية المفردة والمركبة، وجمع بين الطب والصيدلة، ثم إنه قد اقتنع بأهمية مزاولة الطبيب لفن الجراحة بدلاً من أن يوكل ذلك -كما كانت العادة- للحجّامين أو الحلاقين، فمارس الجراحة وحذق فيها وأبدع، حتى صار عَلَمًا من أعلام طب الجراحة، لدرجة أنه لا يكاد يذكر اسمه إلا مقترنًا مع الطب الجراحي[4].

الزهراوي.. أعظم جراح

الزهراوي.. أعظم جراححلَّ مبحث الزهراوي في الجراحة بالذات محلَّ كتابات القدماء، وظل العمدة في فن الجراحة حتى القرن السادس عشر، وباتت أفكاره حدثًا تحوُّليًّا في طرق العلاجات الطبية؛ حيث هيأ للجراحة قدرة جديدة في شفاء المرضى أذهلت الناس في عصره وبعد عصره. وقد اشتمل هذا البحث على صورة توضيحية لآلات الجراحة (أكثر من مائتي آلة جراحية)، كان لها أكبر الأثر فيمن أتى من بعده من الجراحين الغربيين، وكانت بالغة الأهمية على الأخص بالنسبة لأولئك الذين أصلحوا فن الجراحة في أوربا في القرن السادس عشر؛ فقد ساعدت آلاته هذه على وضع حجر الأساس للجراحة في أوربا[5].

وقد وصف الزهراوي هذه الآلات والأدوات الجراحية التي اخترعها بنفسه للعمل بها في عملياته، ووصف كيفية استعمالها وطرق تصنيعها،
وعن طريق هذه الآلات أجرى الزهراوي عمليات جراحية أحجم غيره عن إجرائها، وأبدع منهجًا علميًّا صارمًا لممارسة العمل الجراحي، يقوم على دراسة تشريح الجسم البشري ومعرفة كل دقائقه، والاطلاع على منجزات من سبقه من الأطباء والاستفادة من خبراتهم، والاعتماد على التجربة والمشاهدة الحسية، والممارسة العملية التي تكسب الجراح مهارة وبراعة في العمل باليد -أي الجراحة- وبيَّن ذلك لطلابه في كتابه (التصريف لمن عجز عن التأليف)[7].

يقول كامبل في كتابه (الطب العربي): "كانت الجراحة في الأندلس تتمتع بسمعة أعظم من سمعتها في باريس أو لندن أو أدنبره؛ ذلك أن ممارسي مهنة الجراحة في سرقسطة كانوا يُمنحون لقب طبيب جرّاح, أما في أوربا فكان لقبهم حلاّق جرّاح، وظلَّ هذا التقليد ساريًا حتى القرن العاشر الهجري"[8].

مخطوط من كتاب التصريفولم تطمس السنون ولا الأيام آثار هذا العالم الفذّ؛ حيث ترك موسوعته الطبية الضخمة، التي كان من بينها مبحثه السابق في الجراحة، بما فيه من أدوات وآلات الجراحة العجيبة بمقياس عصره، والتي سماها (التصريف لمن عجز عن التأليف)، وهي موسوعة كثيرة الفائدة، تامة في معناها، لم يؤلَّف في الطب أجمع منها، ولا أحسن للقول والعمل، وتعتبر من أعظم مؤلفات المسلمين الطبية، وقد وصفها البعض بأنها دائرة معارف، ووصفها آخرون بأنها ملحمة كاملة.

 ينبغي ألاّ تغفل أيضًا أن الجراحين الذين عرفوا في إيطاليا في عصر النهضة وما تلاه من قرون قد اعتمدوا اعتمادًا كبيرًا على كتاب (التصريف لمن عجز عن التأليف) للزهراوي[9].

وللزهراوي غير هذه الموسوعة العظيمة مؤلفات أخرى، وهي مثل: (المقالة في عمل اليد)، و(مختصر المفردات وخواصها)، قال الزركلي: "واقتنيت مخطوطة مغربية بخط أندلسي مرتبة على الحروف، من الألف إلى الياء، في جزء لطيف، أوَّلها بعد البسملة: (كتاب فيه أسماء العقاقير باليونانية والسريانية والفارسية والعجمية، وتفسير الأكيال والأوزان، وبدل العقاقير وأعمارها، وتفسير الأسماء الجارية في كتب الطب. تأليف الزهراوي)[10].

يقول عالم وظائف الأعضاء الكبير هالّر: "كانت كتب أبي القاسم المصدر العام الذي استقى منه جميع من ظهر من الجراحين بعد القرن الرابع عشر"[11].

أبو القاسم الزهراوي.. إنجازات وإبداعات

مع تمرس الزهراوي في مجال الجراحة بالذات وخبرته الواسعة بها، فقد عُدَّ أول من فرق بين الجراحة وغيرها من المواضيع الطبية الأخرى، وأول من جعل أساس هذا العلم قائمًا على التشريح، وأول من جعل الجراحة علمًا مستقلاًّ، وقد استطاع أن يبتكر فنونًا جديدة في علم الجراحة، وأن يقننها[12].

يحكي جوستاف لوبون عن الزهراوي فيقول عنه: "أشهر جراحي العرب، ووصف عملية سحق الحصاة في المثانة على الخصوص، فعُدَّت من اختراعات العصر الحاضر على غيرِ حقٍّ"[13].

وجاء في دائرة المعارف البريطانية أنه أشهر من ألف في الجراحة عند العرب (المسلمين)، وأول من استعمل ربط الشريان لمنع النزيف[14].

ومن أهم إبداعات الزهراوي المشهورة، والتي تناقلها مؤرخو العلوم الطبية في مؤلفاتهم، أنه يعدّ أول من وصف عملية القسطرة، وصاحب فكرتها والمبتكر لأدواتها. وهو الذي أجرى عمليات صعبة في شق القصبة الهوائية، وكان الأطباء قبله مثل ابن سينا والرازي، قد أحجموا عن إجرائها لخطورتها. وابتكر الزهراوي أيضًا آلة دقيقة جدًّا لمعالجة انسداد فتحة البول الخارجية عند الأطفال حديثي الولادة؛ لتسهيل مرور البول، كما نجح في إزالة الدم من تجويف الصدر، ومن الجروح الغائرة كلها بشكل عام. والزهراوي
كما يعد الزهراوي أول رائد لفكرة الطباعة في العالم؛ فلقد خطا الخطوة الأولى في صناعة الطباعة، وسبق بها الألماني يوحنا جوتنبرج بعدة قرون، وقد سجل الزهراوي فكرته عن الطباعة ونفذها في المقالة الثامنة والعشرين من كتابه الفذّ (التصريف)؛ ففي الباب الثالث من هذه المقالة، ولأول مرة في تاريخ الطب والصيدلة يصف الزهراوي كيفية صنع الحبوب (أقراص الدواء)، وطريقة صنع القالب الذي تُصَبُّ فيه هذه الأقراص أو تُحَضَّر، مع طبع أسمائها عليها في الوقت نفسه باستخدام لوح من الأبنوس أو العاج مشقوق نصفين طولاً، ويحفر في كل وجه قدر غلظ نصف القرص، وينقش على قعر أحد الوجهين اسم القرص المراد صنعه، مطبوعًا بشكل معكوس، فيكون النقش صحيحًا عند خروج الأقراص من قالبها؛ وذلك منعًا للغش في الأدوية، وإخضاعها للرقابة الطبية, وفي ذلك يقول شوقي أبو خليل: "ولا ريب أن ذلك يعطي الزهراوي حقًّا حضاريًّا لكي يكون المؤسِّس والرائد الأول لصناعة الطباعة، وصناعة أقراص الدواء؛ حيث اسم الدواء على كل قرص منها، هاتان الصناعتان اللتان لا غنى عنهما في كل المؤسسات الدوائية العالمية، ومع هذا فقد اغتُصِب هذا الحق وغفل عنه كثيرون"[16].

فيقول عن قلع الأسنان: "ينبغي أن تعالج الضرس من وجعه بكل حيلة، ويتوانى عن قلعه إذ ليس منه خيف إذا قلع". ثم يشير في حذق إلى أنه "كثيرًا ما يخدع العليلَ المرضُ، ويظن أنه في الضرس الصحيح فيقلعها ثم لا يذهب الوجع حتى يقلع الضرس المريض". وهكذا يصف الزهراوي -ربما لأول مرة في التاريخ الطبي- الألم المنتقل وخطره؛ مما يضعه على مستوى عصري حتى اليوم[18].

هذا وقد كان مرض السرطان وعلاجه من الأمراض التي شغلت الزهراوي، فأعطى لهذا المرض الخبيث وصفًا وعلاجًا بقي يُستعمل خلال العصور حتى الساعة، ولم يزد أطباء القرن العشرين كثيرًا على ما قدمه علاّمة الجراحة الزهراوي[19].

وإن ما كتبه الزهراوي في التوليد والجراحة النسائية ليعتبر كنزًا ثمينًا في علم الطب، حيث يصف وضعيتي (TRENDELEMBURE - WALCHER) المهمَّتَيْن من الناحية الطبية، إضافةً إلى وصف طرق التوليد واختلاطاته، وطرق تدبير الولادات العسيرة، وكيفية إخراج المشيمة الملتصقة، والحمل خارج الرحم، وطرق علاج الإجهاض، وابتكر آلة خاصة لاستخراج الجنين الميت، وسبق (د. فالشر) بنحو 900 سنة في وصف ومعالجة الولادة الحوضية، وهو أول من استعمل آلات خاصة لتوسيع عنق الرحم، وأول من ابتكر آلة خاصة للفحص النسائي لا تزال إلى يومنا هذا[20].

0 التعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة